الجمعة، 23 ديسمبر 2016

قنبلة طما مديرية جرجا سنة 1932 م

حادثة قنبلة طما وزيارة صدقي باشا لجرجا – إعادة سرد تاريخي

في الثامن من مايو 2012، نشر الصحفي عمرو علي بركات مقالًا في جريدة "القاهرة" حول إحدى أخطر الحوادث السياسية في مصر الحديثة، التي وقعت في عهد رئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا (1875–1950م)، أحد أبرز الشخصيات السياسية وأكثرهم جدلًا. فقد جمع في فترة من الفترات بين رئاسة الحكومة ووزارتي الداخلية والمالية، واشتهر بالشدة والصرامة، مما جعل شعبيته محدودة، رغم قوته السياسية.

ينتمي إسماعيل صدقي إلى أسرة سياسية مرموقة، فوالده أحمد شكري باشا كان من رجال الدولة في عهد الخديوي إسماعيل وتوفيق. تلقى صدقي تعليمه في مدرسة الفرير، ثم التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية. بدأ حياته المهنية كاتبًا للنيابة، ثم تولى عدة مناصب قضائية، إلى أن أصبح وكيلًا لوزارة الداخلية عام 1910، ثم وزيرًا للزراعة عام 1914، فوزيرًا للمالية في 1921، حتى تولى رئاسة الوزراء للمرة الأولى عام 1930.

أسس صدقي حزب الشعب في محاولة لدخول الحياة السياسية من بوابة جماهيرية، إلا أن الحزب لم يكتسب قاعدة شعبية، واعتُبر ذراعًا سلطويًا للحكومة. لاحقًا، دُمج حزب الشعب مع حزب الاتحاد ليشكلا "حزب الاتحاد الشعبي"، وفي ظل سياساته الصارمة، ألغى دستور 1923 ووضع دستور 1930، موسعًا فيه سلطات الملك، وفرض قوانين صارمة على الصحافة، مما دفع الأحزاب الكبرى لمقاطعته.

قنبلة طما – محاولة اغتيال سياسية

في ليلة 5 مايو 1932، استقل صدقي باشا قطاره الخاص من القاهرة متوجهًا إلى جرجا، برفقة وزيري المعارف والمواصلات وعدد من المسؤولين. وكان من المقرر أن يغادر القطار الساعة 8:30 مساءً، لكنه تأخر وتحرك الساعة 11 ليلاً. عند وصوله إلى محطة أسيوط، نزل وزير المواصلات لتقديم واجب عزاء، مما أدى إلى تأخير القطار سبع دقائق أخرى.

وفي فجر يوم 6 مايو، وبينما كان القطار يقترب من محطة "صدفا"، لاحظ السائق أن السيمافور مغلق، فتوقف القطار بين "صدفا" و"طما" بمحطة "أولاد إلياس". وصل مراقب المحطة وأبلغ حرس رئيس الوزراء بوقوع انفجار أدى إلى تدمير جزء من السكة الحديد عند الكيلو 417، قبل محطة "طما" بحوالي 50 مترًا.

أسفر الانفجار عن وفاة خفير الحراسة المكلف بالموقع، وإصابة آخر توفي لاحقًا. لو لم يتأخر القطار، لكان مرّ على موقع التفجير في وقت حدوثه تمامًا، ما يعني أن التأخير أنقذ حياة رئيس الوزراء.

ردود الفعل والتحقيقات

تحركت الجهات الأمنية على الفور، وأُبلغ كبار المسؤولين، وأُرسل خبراء من الجيش المصري والبريطاني لمعاينة الموقع، بينما وصلت النيابة العامة وممثلو الشرطة السياسية لبدء التحقيقات. أُصلح الخط الحديدي، وتأخرت الزيارة الرسمية ساعة وربع.

استأنف صدقي باشا رحلته، حيث استُقبل في "طهطا" بحفاوة، وزار منزل محمد رفاعة بك، وافتتح دار الإسعاف، ثم توجه إلى المنشأة حيث زار عائلة فواز، لكن بعد يومين تم القبض على 35 شخصًا من عائلتي فواز ورحاب، بينهم شخصيات سياسية بارزة، بسبب برقية نُشرت بجريدة الوفد تتضمن انتقادات حادة للزيارة.

ألقى وزير المواصلات توفيق دوس باشا خطابًا اتهم فيه خصوم الحكومة بالتواطؤ في الجرائم السياسية، وربط حادثة قنبلة طما بمحاولات تقويض الدولة.

الرقابة على التحقيقات الإعلامية

في 9 مايو، أصدرت وزارة الداخلية قرارًا بمنع نشر التحقيقات حول الحادث. تباينت مواقف الصحف، فبينما رأت جريدة "البلاغ" أن هذه الجرائم تسيء للقضية الوطنية، شبهت "المقطم" الحادثة بجريمة اغتيال رئيس فرنسا، واعتبرت "دوكير" أن تفجير طما حظي بإدانة جماعية. أما جريدة "الشعب" لسان حال حزب صدقي، فاتهمت خصومه بتأييد المجرمين، واستهدفت النحاس باشا بالاسم.

القبض على نائب صدفا

كان أول المقبوض عليهم هو علي أحمد هيكل، نائب صدفا السابق، بعد العثور على كارت مكتبه مع أحد المتهمين، وعليه رسم لمحطة جرجا. بعد نحو 75 عامًا، صرّح ابنه عادل هيكل، حارس مرمى الأهلي الشهير، أن ذلك هو سبب توقيف والده في القضية.





و الله تعالى أعلى و أعلم