الثلاثاء، 9 أغسطس 2022

طاعون جرجا و قنا و اسيوط

 


محمود الدسوقي

في شهر أبريل عام 1801م، الذي وافق شهر شعبان هجريا، ظهر وباء الطاعون فجأة في صعيد مصر، وقد امتد انتشار الوباء في شهر رمضان وحتي نهايات شهر ذي الحجة، ليعيش الناس وباء لم يشهده الصعيد في تاريخه، لقوته وفتكه بالناس،فقد أدي ذلك الوباء لغلق المساجد وعدم إقامة الآذان والإمامة.


حدث ذلك الوباء قبل خروج الحملة الفرنسية من مصر، كما تؤكد الباحثة ليلي السيد في كتابها "الأمراض والأوبئة في المجتمع المصري"، حيث أدى للفتك بمراد بك وجملة من كشاف المماليك الذين هربوا للصعيد، كما انتشر الوباء لعدد من مدن الصعيد، منهم جرجا وقنا، حيث أصاب 1500 شخص، إلا إنه لم يمت منهم سوي ثمانون شخصا، لكن الوباء كان شديدا في أسيوط.

المؤرخ "الجبرتي" الذي نقل قصة الطاعون في رسالة بعث بها الشيخ حسن العطار، تحدث عن تعطل المساجد والآذان في شهور الوباء، التي امتدت لما بعد الشهر الفضيل،كما تحدث عن قوة الوباء الذي كان يؤدي لموت ستمائة شخص يوميا، واشتغال الناس ممن بقي منهم حيا بالمشي في الجنائز والسهر.

بعث الشيخ حسن العطار للجبرتي في رسالته قائلا: "إن الله أنجاه من هذا الوباء الذي اجتاح بلاد الصعيد مؤكداً " نعرفك ياسيدي إنه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم يسمع به من قبل خصوصا في أسيوط فقد انتشر هذا الوباء وكان معظمهم من الرجال والشباب وأغلقت فيه الأسواق وصار الناس ما بين ميت ومشيع".

كان شهر شعبان بداية الطاعون، حتي قدم رمضان ليفتك الوباء بأهل الصعيد، وكانت الأكفان في ذلك الوقت قد صارت قليلة من كثرة الموت، يقول العطار في رسالته للجبرتي: صار الإنسان إذا خرج من بيته لا يرى إلا جنازة ،مؤكدا أنه اعتزل في منزله لمدة شهر لايخرج منه بسبب هذا الوباء الشديد ، وقد صار الناس في حيرة لعدم وجود مغسلين.

مات العلماء والقراء وأرباب الحرف، وتعطل الميت في منزله من أجل تجهيزه، فلا يوجد نعش ولا المغسل، كما يؤكد العطار في رسالته، ولا تسمع يوميا إلا نائحة أو باكية، وقد تعطلت المساجد والإمامة لموت أرباب الوظائف.

لأن شهر إبريل من شهور الحصاد فقد تعطلت الزراعة ولم يقم أحد بالحصاد ونشفت الأرض وأبادت الريح الزروع، لعدم وجود من يحصده، وقد أدى الطاعون الذي امتد لمدة أربعة أشهر هجرية منهم شهر رمضان، لموت الثلثين من أهالي الصعيد في أشد وباء شهده الصعيد، قبل تولي محمد علي حكم مصر.



المصدر :