مات شيخ البلد اسماعيل بك الطرابلسي، تولى مكانه تلميذه عثمان بك طبل، ثم تنحى مع عودة ثنائي السلب والنهب الأميرين ابراهيم بك ومراد بك، اللذين استردا السلطة، بوساطة الشيخ عمر مكرم وموافقة الباب العالي، وبعد شهور من الإلتزام بعدم الظلم وفرض المغارم، نكث الثنائي بكل الوعود والعهود التي اتفقوا عليها مع العثمانيين ومع النخبة المصرية من رؤس الشيوخ وسادة الأشراف وكبار التجار، وكان ابراهيم بك ينزل بنفسه على رأس عساكره ينهب كل مايقابله في الطرقات، ويقتحم الوكالات ويصادر ما فيها، بحجة الاستعداد لمهاجمة البدو والأعراب الذين يهددون الأمن وقوافل التجارة، وكان شيخ الأزهر أحمد العروسي قد توفي، وحل محله الشيخ عبد الله الشرقاوي، الذي صبر كثيراً على ظلم المماليك، ولم يحرك ساكنا طيلة عامين من السلب والنهب، افترى فيهما على الشعب المكلوم المملوك محمد الألفي، الجزار الجديد بعد حسين شفت ومحمد كاشف وأحمد أغا.
عاد فيضان النيل فازداد السلب والنهب
كان النيل قد عاد للفيضان، والسماء أمطرت مطراً غزيرا في شتاء 1795، وتحسنت أحوال الطبيعة، لكن أحوال المماليك والعثمانلية وطبقة كبار المشايخ والتجار لم تتغير.. الكل يسلب وينهب حقوق الشعب الجائع من الحرفيين والفلاحين، وفي صيف ذلك العام فوجئ الشيخ الشرقاوي بوفد من أهالي قرية “طوخ القراموص” بناحية بلبيس شرقية، أخبروه بما تعرضت له القرية من نهب وحرق على يد الألفي، وحسب تعبير الجبرتي “اغتاظ الشيخ” لأن له حصة كبيرة في القرية، وخاطب مراد بك وابراهيم بك، فلم يبديا شيئًا، فكرر الشكوى في اليوم التالي ولم يحصل على رد، فأغلق الجامع الأزهر، وأمر الناس بغلق الأسواق والحوانيت، و دعا الجميع للحضور أمام الجامع، وأخذهم في مسيرة ناحية بيت الشيخ السادات، لا لشئ إلا لأنه قريب من بيت إبراهيم بك، وهو يريد ان يظهر له غضب الناس وتجمهرهم ليهتم بشكواه، وبالفعل أرسل شيخ البلد أيوب الدفتردار لتهدئة الغضب، فاستمع لهم، ووعدهم برد عاجل من الأمير، لكن مرت ساعات النهار، ولم يعد لهم الدفتردار بجواب، فركب الشيخ الشرقاوي ومعه المشايخ وعادوا إلى الجامع الأزهر، وخلفهم حشد من العامة والرعية، فباتوا بالمسجد، وفي الصباح ارسلوا إلى الوالي العثماني صالح باشا القيصرلي، وبدأت الأمور تتفاقم، خاصة وان صراعاً خفياً كان قد بدأ يدب بين مراد بك بك وابراهيم بك، وبعد ايام انتهت المفاوضات إلى اجتماع في بيت مراد بك بالجيزة، سعى فيه إلى ملاطفة الشيوخ بمعسول الكلام، ثم اجتماع آخر في منتصف شهر يوليو 1795 بمنزل ابراهيم بك حضره الباشا العثماني والأمراء والصناجق، وكبار المشايخ، الذين ذهبوا وحدهم بعد أن نبه عليهم رضوان بك (كتخدا شيخ البلد) ضرورة منع العامة من السعي خلفهم، حتى لا يفسدوا الاجتماع، لكن مع الوقت تجمهر الناس قرب منزل ابراهيم بك انتظارا لنتائج الثورة.
شيخ الأزهر عبد الله الشرقاوي
(3)
يقول الجبرتي: دار الكلام بينهم، وطال الحديث، وانعقد الصلح على أن يدفع الأمراء 750 كيساً موزعة، ويرسلوا غلال الحرمين والعوائد المقررة من قديم الزمان، وبصرفوا أموال الرزق، ويبطلوا رفع الظلم المحدثة (الجديدة) والكشوفيات والتفاريد والمكوس، ما عدا ما يخص مراد بك في ديوان بولاق، ويكفوا أتباعهم عن امتداد أيديهم الى أموال الناس ويسيروا فيهم سيرة حسنة، وكان القاضي حاضراً بالمجلس فكتب حجة بذلك وفرمن عليها الباشا (أصدر فرماناً)، وختم عليها ابراهيم بك، وأرسلها الى مراد بك فختم عليها أيضا، وانجلت الفتنة، ورجع المشايخ وحول كل واحد منهم جملة عظيمة من العامة وهم ينادون: “حسب ما رسم ساداتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية”… وفرح الناس وظنوا صحته وفتحت الأسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان وزيادة، ونزل مراد بك الى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير ذلك…
(4)
انتهت رواية الجبرتي عن الاجتماع، لكن الوثيقة التي حررها القاضي في ذلك الاجتماع تقول ما هو أكثر، وهي الوثيقة الأولى التي وصلتنا من العصور الوسطى عن اتفاق مكتوب بين الحكام وممثلي الشعب، لذلك فإن البعض يعتبرها “ماجنا كارتا مصرية”، ويبالغ آخرون فيقدمونها كأول دستور مصري يسبق دستور الخديو توفيق بأكثر من قرن، ومن هنا تأتي أهمية قراءة نص الوثيقة وطريقة صياغتها، والمكاسب التي سعى إليها المشايخ وهلل لها العامة، بصرف النظر عن انقضاض المماليك على الاتفاق بعد اقل من شهر واحد.
مفتتح وثيقة المماليك والمشايخ
(5)
تم صياغة الوثيقة يوم يوم 27 ذي الحجة 1209هـ (15 يوليو 1795م) في ورقة واحدة حررها الشيخ عبد الوهاب الداوودي في 1450 كلمة، منها أكثر من 850 كلمة في ذكر الألقاب، حتى أن لقب شيخ السادات وحده يبلغ 77 كلمة، وهكذا يتبقى أقل من 600 كلمة للديباجة والختام ونتائج الاجتماع التي ركزت على جرايات الفقراء وطلاب وعلماء الأزهر وعودتها كما كانت قبل حكم الراحل اسماعيل بك بلا نقصان، وعدم التعرض لأوقاف الأزهر أو فرض أي ضرائب عليها، وعدم التعرض إلى السادة الأشراف، والقضاة، وتكون مرجعيتهم نقيب الشراف وقاضي عسكر على التوالي، بالإضافة إلى شرط عدم تصدير الغلال إلى روسيا (بلاد الكفرة والمشركين أعداء الدين)، وترحيل البحارة من سواحل بولاق لكف أذاهم عن الناس، وعند قراءة الوثيقة يجب الانتباه إلى حذف الهمزات تماماً للتخفيف في ذلك العصر فالأمراء تكتب “الامرا” وإجراء” تكتب “اجرا”، وكلمة “حالاً” تعني المسؤول الحالي الذي يشغل نفس المنصب،
وأخيراً أكتفي بإشارة تنبيه لبند ورد في الوثيقة، يؤكد أن الأطراف المجتمعة بما فيها المشايخ (ممثلي الشعب) طالبوا بالكثير مما يخص رواتبهم والمخصصات التي يصرفونها لطلاب الأزهر والفقراء، كما طالبوا بالحد من الضرائب المفروضة عليهم وعلى الأوقاف، والحفاظ على سلطاتهم ومرجعياتهم، لكنهم وافقوا على شرط يهدر حقوق الناس، ويضع المشايخ في صف ناهبي الشعب، ويجعلهم شركاء في الجباية والقهر، واللافت أن هذا البند الذي ورد في تفريغ الوثيقة تهمله كل الكتب التي تتحدث عن نضال شيوخ الأزهر ضد الظلم والظالمين، وهذا نص البند حرفياً: “..وكل من خالف ذلك أو توقف فى دفع مايترتب عليه أو سعي في إبطال شيء من ذلك، فيكون على ساداتنا أرباب السجاجيد وعلما الإسلام والأمرا، قهره واستخلاص كامل ما هو مطلوب منه لأربابه كاين من كان”..!، وهكذا كانت الوثيقة دستوراً متوحشاً له انياب!.
(نص الوثيقة)
..انه بمصر المحروسة مدينة أهل الولاية المقربين وعلامة العاملين وخلفائه الراشدين شرفها الله تعالي إلي يوم الدين بين يدي سيدنا ومولانا شيخ مشايخ الإسلام علامة الأنام قاموس البلاغة ونبراس الافهام أشرف السادة الموالي الأغالي الأعزة الكرام الناظر فى الأحكام الشرعية قاضي القضاه يومئذ بمصر المحمية خطه الكريم أعلاه دام علاه آمين.
مضمونه.. بحضرة كل من سيدنا ومولانا الأستاذ الأعظم والملاذ الأفخم الأكرم قطب دايرة الزمان وفريد العصر والأوان المحفوظ بعناية الله الرحيم الرحمن خاص خواص أصحاب العبادة والصلاح خلاصة أرباب السماحة والفلاح وقرة أهل الورع والزهد واسطة أعيان الخشوع والرشد ستار أهل الحقيقة سيد السادات ومعدن الفضل والوجود والسيادات من به وباسلافه, نتوسل إلي الله الملك الغفار السيد الشريف الطاهر العفيف الشيخ “محمد أبو الأنوار بن وفا “شيخ السجادة الشريفة الوفوية المنيفة وصاحب الكنية المصطفوية الحميدة حالا زاده الله عزا وإجلالا آمين/ وسيدنا ومولانا فخر ساداتنا بني الصديق كوكب سما مجدهم على التحقيق فرع الشجرة الزكية الصديقيه من به وبأسلافه نتوسل إلي الله الملك العزيز الجليل مولانا السيد الشريف الشيخ “خليل البكري الصديقي” الأشعري سبط الشيخ آل الحسين شيخ سجادة أجداده بني الصديق حالاً/ وسيدنا ومولانا فخر أعزة السادة الأشراف الفُضلا العظام سلالة آل بني عبد مناف الفخام فرع الشجرة الزكية وطراز العصابة الهاشمية الفاخرة الواثق بربه المعيد المبدي مولانا السيد الشريف (عمر أفندي نقيب السادة الأشراف) بمصر حالا زاده الله عزاً وإجلالاً/ ومولانا الشيخ العالم العلامة أوحد الأفاضل العظام مفيد الطالبين بأفهام عمدة المحققين وصفوة العلما العاملين زين الشريعة والملة والدين مولانا (الشيخ عبد الله الشرقاوي) الشافعي شيخ مشايخ أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر حالاً/ وسيدنا ومولانا الشيخ الامام العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام سيبوبه الزمان وفريد العصر والأوان مولانا الشيخ شمس الدين (محمد الحريري الحنفي) الأزهري مفتي السادة الحنفية بمصر حالاً/ وسيدنا ومولانا الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام أوحد الأفاضل الكرام صدر المدرسين العظام مفيد الطالبين بأفهام مولانا الشيخ شمس الدين (محمد الشهير نسبه الكريم بالأمير) المالكي الأزهري مفتي السادة المالكية بمصر حالاً/ وسيدنا ومولانا الشيخ الامام العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام صدر المدرسين الكرام مفيد الطالبين بأفهام مولانا الشيخ زين الدين (مصطفي الشهير نسبه الكريم بالصاوي) الشافعي الأزهري عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر/ وسيدنا ومولانا الشيخ العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام مولانا الشيخ زين الدين (عبد المنعم العماري) المالكي الأزهري عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر حالاً/ وسيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام صدر المدرسين الكرام مولانا الشيخ شهاب الدين (أحمد العريشي) الحنفي عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر/ والشيخ الإمام العلامة الهمام صدر المدرسين الكرام مولانا الشيخ برهان الدين (ابراهيم السجيني) الشافعي الأزهري عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر حالاً/ والشيخ العلامة الهمام الإمام صدر المدرسين الكرام (زين الدين المنصوري) الحنفي من أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر حالاً/ والشيخ (زين الدين سالم بن مسعود الفوي) المالكي الأزهري عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس وشيخ رواق السادة المغاربة المجاورين بالجامع الأزهر عمت بركاتهم وأدام الله النفع بوجودهم آمين.
بمنزل قدوة الأمرا العظام كبير الكبرا الفخام صاحب العز والقدر والهمة والاحترام المعز الكريم العالي حايز رتب المفاخر والمعالي مير اللوا الشريف السلطاني مولانا الأمير إبراهيم بك الكبير [محمد] (أي تابع لمحمد بك أبو الدهب) قايمقام بمصر المحروسة سابقا وأمير الأمرا بها حالاً/ وقدوة الأمرا الكرام كبير الكبرا الفخام المعز الكريم العالي حايز رتب المفاخر والمعالي مولانا الأمير (أيوب بك) دفتر دار مصر المحروسة حالاً/ وقدوة الأمرا الكرام كبير الكبرا الفخام المعز الكريم العالي حايز رتب المفاخر والمعالي مولانا الأمير إبراهيم بك مير الحاج الشريف المصري سابقا وحاكم ولاية جرجا سابقا [محمد]/ وقدوة الأمرا الكرام صاحب العز والمجد والاحتشام مير اللوا الشريف السلطاني مولانا الأمير (سليمان بك محمد) حاكم ولاية جرجا سابقاً/ وافتخار الأمرا الكرام عين أعيان ذوي الوقار الفخام مير اللوا الشريف السلطاني مولانا الأمير (أحمد بك محمد) حاكم ولاية المنوفية سابقاً/ وافتخار الأمرا العظام عمدة ذي الوقار الفخام الجناب العالي حايز رتب المفاخر والمعالي مولانا الأمير (عثمان بك مراد) حاكم ولاية جرجا سابقاً/ وقدوة الأمرا الكرام عمدة أولي الشأن الفخام مير اللوا الشريف السلطاني الأمير (صالح أغا وكيل دار السعادة العظمي) بمصر حالاً [محمد]/ وفخر الأكابر والأعيان عين أعيان ذوي المفاخر والشان الجناب المكرم الأمير (على كتخدا) طايفة مستحفظان قلعة مصر المحروسة حالاً/ والجناب المكرم الأمير (إبراهيم كتخدا باش اختيار) [سناو]/ والأمير (عثمان كتخدا) طايفة عزبان قلعة مصر حالاً/ والجناب المكرم الأمير (مصطفي كتخدا باش اختيار عزبان)
والجناب المكرم الأمير (أحمد أغا باش اختيار طايفة المتفرقة)/ والجناب المكرم الأمير مصطفي أغا باش اختيار متفرقة/ والجناب المكرم الأمير على كتخدا الجاويشية/ والأمير على أغا اختيار طايفة جاويشان سليم/ والجناب المكرم الأمير أحمد أغا اختيار طايفة جاويشان غانم/ والجناب المكرم الأمير يوسف باش جاويش جمليان/ والجناب المكرم الأمير يوسف أفندي كاتب كبير جمليان/ والجناب المكرم الأمير سليمان جوريجي باش اختيار تفكجيان البرديسي/ والأمير أحمد أفندي كاتب صغير تفكيجان/ والجناب المكرم الأمير حسين باش جاويش جراكسة/ والأمير محمد جوربجي باش اختيار جراكسة.
وإطلاعهم وشهادتهم على ما يأتي ذكره فيه بعد:
إذ توافق كل من ساداتنا أرباب السجاجيد وساداتنا علما الإسلام مصابيح الظلام متع الله بوجودهم الأنام مع كامل الأمرا الكرام المعين أسماؤهم بأعاليه على تنزيل جوامك المسلمين المطلوبة من المال الميري وإجراء جرايات المستحقين وعلوفات الفقرا والمساكين وإجرا المقرر به الجامع الأزهر ومحفل العلم الشريف الأنور وجراياته فى وقفه الخاص به ولا يوخذ له شيء من المكوس والمظالم واجرا ملايل الحج ومتعلقاته حكم قديمها على ماهي عليه من زمن الملوك والسلاطين ومنع التفاريد على البلاد والرعايا والفقرا، ومنع ترك الكشاف الجايرة في بلاد الله التي ضربوها ونهبوها ودمروها، وإزالة الفلنجية من مصر القديمة لإيذائهم المسلمين، وأن لا يزاد على دفتر المرحوم الأمير محمد بيك أبو الدهب قايمقام مصر كان في رفع المظالم وأن جميع ما أحدثه المرحوم الأمير اسماعيل وغيره يزال من أصله بالكلية، وأن ترفع المكوس الجارية في البنادر والموارد، وما جعل على المآكل والمشارب، وإزالة جميع الحوادث والمظالم من جميع الأقطار المصرية، والتزموا أن لا يتعرض أحد منهم إلى السادة الأشراف القاطنين بجميع البلاد لا بشكوى ولا بأذية ولا بضرر ولا بوجه من الوجوه، وأن ينتهي أمرهم في حوادثهم الخاصة بهم إلى أفنديهم ونقيبهم في ساير الأقطار والأزمان، وأن لا يتعرض أحد منهم لخدام الشريعة المحمدية بوجه يضر بهم، وأن ينتهي أمرهم في كامل حوادثهم المتعلقة بهم إلى أفنديهم مولانا شيخ الإسلام قاضي عسكر أفندي بمصر في جميع الأزمان، وأن يقوموا بعمارة السواقي الموصلة المياه إلى القلعة زإدراتها بحضرة الوزرا والفقها، وشرب المسلمين القاطنين بها وعدم انزال الغلال من الديار المصرية إلى بلاد الكفرة والمشركين أعداء الدين، ولن يحدث حادثة من الآن إلى ما يستقبل من الزمان.
فأجابوا حضرة الأمرا الكرام المعين أسماؤهم بعاليه بالسمع والطاعة وعدم مخالفة الجماعة وأن يبطلوا هذه المظالم الحادثة التي أضرت بالإسلام والمسلمين وأبادت أموال الفقرا والمساكين وحصل فيها الضعف والجور المبين، وامتثلوا جميعا ما طلب منهم وأشير لهم عليه وعاهدوا الله سبحانه وتعالي على أن لا يعودوا إلي تلك الأفعال، وكل من خالف ذلك أو توقف فى دفع مايترتب عليه أو سعي في إبطال شيء من ذلك فيكون على ساداتنا أرباب السجاجيد وعلما الإسلام والأمرا قهره واستخلاص كامل ما هو مطلوب منه لأربابه كاين من كان، عملا فى ذلك بالفرمان الشريف الواجب القبول والتشريف المكتتب باللغة العربية الوارد فى شأن ذلك من حضرة سيدنا ومولانا الوزير المعظم والدستور المكرم والمشير المفخم من تناهت بمقصده الجميل غايات مصالح الإسلام وفاهت بمحامدة الثنية الأقلام، صاحب السعادة مولانا الوزير الحاج صالح باشا كافل الديار المصرية حالاً. يسَّر الله من الخير ما يريد وما يشا
المقيد بسجل الباب العالي بمصر المحفوظ بخزينة السجلات العامرة المؤرخ بيوم تاريخه أدناه توافقا صحيحا شرعيا عن طيب قلب، وانشراح صدر، لما علم كل منهم فى ذلك من الحظ والمصلحة باعتراف كل منهم بذلك، بحضرة شهوده، ومن ذكر أعلاه فى يوم تاريخه الاعتراف الشرعي. ولما تم الحال على هذا المنوال.. أشهد على نفسه كل من افتخار الامرا الكرام كبير الكبرا الفخام المعز الكريم العالي الأمير إبراهيم بك الكبير المشار إليه وافتخار قدوة الأمرا الكرام كبير الكبرا الفخام صاحب العز والمجد والاحتشام المعز الكريم العالي والكوكب المنير المتلالي حايز رتب المفاخر والمعالي مير اللوا الشريف السلطاني مولانا الأمير مراد بك محمد مير الحاج الشريف المصري سابقاً، شهوده الاشهاد الشرعي وهما بأكمل الأوصاف المعتبرة شرعاً أن عليهما القيام في كل سنة يجريان كامل ما نص وشرح بأعاليه بقدر الإمكان والاستطاعة القيام الشرعي بالطريق الشرعي، فطوبي للذين آمنوا وعملوا الصالحات واجتهدوا فى استخلاص حقوق عباد الله ودفعها لهم بما أمر الله فمن فعل ذ لك مجتهدا فى طاعة الله ممتثلاً لأوامر الله مجتنباً للنواهي فهو من الفايزين عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم لقوله تعالي فى كتابة العزيز: “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها الخ .. إن الله كان سميعا بصيرا “، وأما من أعان على مصالح ذلك وسعي فى إجراء كامل ما نص وشرح بأعاليه بَرَّدَ الله مضجعه ولَقَّنه حجته وجعله من الأمنين الفائزين الفرحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ولما تم ذلك على الوجه المسطور حكم مولانا أفندي المشار إليه بموجب ذلك وأمر بكتابته وقيده بالسجل المحفوظ ضبطا للواقع ليراجع به عند الاحتياج إليه والاحتجاج به حكما وأمرا شرعيين وعلى ما جري فى سابع عشرين شهر الحجة الحرام ختام سنة تسع ومائتين وألف