الخميس، 23 يوليو 2015

محمد مصطفى محمد عبدالمنعم المراغى





محمد بن مصطفى بن محمد عبد المنعم المراغي. ولد بالمراغة من جرجا في الصعيد، تعلم في القاهرة وتتلمذ على يد الشيخ محمد عبده. تأثرت أخلاقه بالبيئة الأسرية التي نشأ فيها، فأبوه فضلاً عن أنه أزهريّ كان سيداً في قومه داره مفتوحة لأهل محلته، يفضّ الخصومات ويعين ذوي الحاجات، له أبناء هم بضعة علماء وقضاة، على رأسهم ابنه الأكبر شيخ الأزهر الذي تولى مشيخته في حياة أبيه، أما بنوه الآخرون فكانت تربيتهم مدنية.


استظهر القرآن الكريم وتدبر معانيه، وحفظ وهو في القضاء بضعة دواوين شعرية، وتعلم اللغة الإنكليزية أيام كان قاضياً في السودان، وأتقنها بحيث أصبح يقرأ بها الكتب العلمية، وكان يصحح ما وقع من أغلاط في ترجمة «مير علي» للقرآن الكريم.
امتاز بذاكرة قوية، واتصف بالفصاحة وعرف بالبلاغة. كان يكتب من دون تكلف بألفاظ عذبة وعبارات رقيقة وجمل رشيقة لا سجع فيها ولا ازدواج. وكان طليق اللسان؛ فربما ظنّ السامع وهو يتلو درسه أوعظته أنه يقرأ من كتاب أو من حفظه؛ مع حسن عرض وقوة دليل، وكان يستميل بحديثه قلوب سامعيه، و تؤثر نبراته في نفوسهم.
اتسم بالمرونة والبعد عن الجمود، فلم يقف عند حد ما سمعه عن شيوخه أو قرأه في الكتب، فقد عزم على أن يستقي الشريعة من ينابيعها الصافية، وعلى العمل بجوهر الدين من دون تزمت أو تضييق، مع الحرص على التجديد من دون انتقاص لآراء العلماء، فمع أنه كان حنفي المذهب فقد كان يأخذ من المذاهب الأخرى ما يناسب العصر ويحقق المصلحة. وقد دعا إلى دراسة الفقه الإسلامي دراسة خالية من التعصب لمذهب مع عدم المساس بالأحكام المنصوص عليها في الكتاب والسنة أو المجمع عليها، وأن يُختار من الأحكام الاجتهادية ما يلائم الأزمنة والأمكنة والعرف، وأنه ينبغي تجاوز العصبية المذهبية، التي أفضت إلى عدّ المسائل الاجتهادية قضايا مقررة يحظر على العقل النظر فيها.
تولى القضاء الشرعي في السودان ثم منصب قاضي القضاة، سنة (1908-1919). وفي أثناء زيارة ملك إنكلترا إلى السودان كان الشيخ في مقدمة مستقبليه ـ بوصفه قاضي القضاة ـ فقال له أحد رجال الحاشية مؤنِّباً: «كان عليك أن تنحني للملك»، فأجابه: «ليس في ديننا سجود لغير الله عز وجلّ». وشارك السودانيين في تظاهراتهم ضد الإنكليز، فما كان من الحكومة إلا أن أقصته من وظيفته، فخسر منصبه ليخدم وطنيته. 
بعد رجوعه إلى القاهرة عمل مفتش مساجد في الأوقاف. وحدث أن صلّى الخديوي في مسجد فاعترض على إمامه؛ لأنه أعمى ـ وهو العلامة الدجوي ـ فأجاب الشيخ بكلام أغضب الملك: «الإمام من جماعة كبار العلماء استوفى شروط الإمامة، والعمى لا يمنع من القيام بما يُطلب منه».
تأثر بالفكر الإصلاحي لشيخه محمد عبده، وكان قد أوصاه ليلة سفره إلى السودان بأن يكون للناس مرشداً أكثر من أن يكون قاضياً، وألا يعدل عن الإصلاح بين الناس إلى الحكم؛ لأن الأحكام سلاح يقطع العلاقات بين الأسرة، والصلح دواء تلتئم به النفوس وتُداوى به الجراح. وقال له: «العلم ما ينفعك وينفع الناس وإذا لم تنفع الناس فلست عالماً». قال الشيخ محمود شلتوت: «إن الشيخ المراغي ما خرج بروحه وعلمه وعقله وتفكيره عن أن يكون تلميذ الأستاذ الإمام محمد عبده».
اعترض على طريقة التدريس في الأزهر وخاصة الشروح والحواشي والهوامش، وأنها تربك ذهن الطالب وتقصيه عن روح الشريعة ليخرج كالببغاء يحفظ ما يتلقاه من دون فهم معناه. وانتقد طريقة تأليف الكتب الأزهرية، وأنها معقدة لا يفيد منها إلا من مارسها وعرف اصطلاح مؤلفيها.
كان يعتقد أن الأزهر يحتضر منذ طلبت وزارة الأوقاف ـ وهو من مفتشيها ـ خطباً منبرية فجاءها خمسمئة خطبة لم تصلح واحدة منها لأن تُلقى على المصلّين، يعتقد ذلك وهو يرى أن دار العلوم تنازع الأزهر أفضليته في تعليم اللغة العربية ومدرسة القضاء الشرعي تنازعه تدريس الشريعة.
عُيّن شيخاً للأزهر مدة عام سنة 1928، وهو في الثامنة والأربعين من عمره وندر من تقلّد هذا المنصب في مثل هذا السن، فكان يمتلك نشاط الشباب وحكمة الشيوخ، ولما شعر بأنّ لائحته في الإصلاح لن تُقبل؛ استقال ولزم بيته. إلى أن أعيد سنة 1935 وأتيح له القيام بالإصلاحات التي يسعى إليها، فوضع أساس كليات التخصص، ككلية علوم اللغة العربية وكلية أصول الدين وكلية العلوم الشرعية، كما وضع مناهج جديدة للأزهر تلائم العصر الحاضر وتقرّب خريجيه من الحياة العملية.
حاول النهوض بالأزهر بتثقيف خريجيه وزيادة كفايتهم العلمية وخبراتهم العلمية؛ إذ شجع البعثات الأزهرية، فأرسل نوابغ الطلاب إلى جامعات الغرب للتزود بالمعارف المعاصرة والإفادة من خبرات الآخرين، وأدخل في الأزهر تخصصات جديدة وكليات لتعليم مختلف اللغات، كاليابانية والفارسية والأُوردية لتخريج دعاة بمختلف لغات العالم.
اعترض على من يحاول تلمّس أدلة أو البحث عن براهين من القرآن الكريم لكل ما يصدر من نظريات أو يطرح من أفكار، فالقرآن كتاب هداية لتنظيم علاقة الإنسان بربه وعلاقة الأفراد مع بعضهم، وليس كتاب فلك أو طبيعة. إضافة إلى أن تلك النظريات قابلة للتبدل والتجدد، ومن غير الحكمة ربط المعارف غير الثابتة بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أجمع أنصار الشيخ المراغي وخصومه أنه كان خير من تولى رئاسة الأزهر لصفات كثيرة اجتمعت له قلّما تجتمع لغيره، وكان من العلماء العارفين بأزمانهم.
طُلب إليه ترك رئاسة الأزهر والتراجع عن بعض مواقفه مقابل أموال طائلة له ولبنيه وإخوته، فأبى وقال: «إن أولادي وإخوتي في نظري أقل من أن أبيع لهم كرامتي». ومع تقلّده مناصب مختلفة في القضاء آخرها رئاسة المحكمة الشرعية العليا، لم يأت بما يشين سمعته؛ ولم تُحصَ عليه زلّة تنال من مروءته وشرفه؛ وكانت أحكامه مثال العدل يتحدث المتحدثون بها لا يصانع في الحق ولا يداجي. كان كثير التصدق مع أنه غير موسر، ويأخذ على من يعطيه أن يكتم ما وصل إليه منه.
كان من رأيه نجاة من لم يبلغه الإسلام من غير المسلمين؛ لأن الدعوة لم تبلغهم، وأن الإسلام لن يكتب له الظهور إن لم يُقرن بالعلم الجديد. وأنه ينبغي الأخذ بروح الإسلام من الرفق والتيسير وترك التشديد عملاً بمضمون الحديث الشريف: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى عزائمه». وأن الشريعة جاءت لخير البشر فيجب تنقيتها مما دُس فيها.
اعتذر عن الانتساب إلى عضوية المجمع العلمي العربي بدمشق بسبب كثرة مشاغله، وللسبب ذاته استقال من المجمع اللغوي في مصر.
شغلته الأعمال الإدارية عن التفرغ للبحث والتأليف، فلم يخلّف مؤلفات كبيرة وما خطته يمينه أوجبته دواعي العمل. من أعماله: بحث في ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية، رسالة في تفسير سورة الحجرات وتفسير سورة الحديد وآيات من سورة الفرقان وتفسير سورتي لقمان والعصر، رسائل وبحوث في التشريع الإسلامي، كتاب «الأولياء». كما خلّف مذكرات يومية شرح فيها مواقفه مع رجال السياسة من المصريين والأجانب، إضافة إلى الدروس الدينية التي كان يلقيها في المساجد.
توفي في الإسكندرية ودفن في القاهرة.

المصدر :

http://www.7yemen.com/vb/t9892-23.html