يعد "إسماعيل صدقي باشا" (1875- 1950م) ، من أقوي رؤساء الوزارة في مصر، ومن أعنف وزراء داخليتها، فاجتمع الناس علي كراهيته، والده"أحمد شكري باشا" من كبار رجال الدولة في عهد "إسماعيل"، و"توفيق"، تعلم بمدرسة الفرير، ثم التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية، وعمل بعد تخرجه كاتباً للنيابة، ثم مساعداً لنيابة إتاي البارود، والمحلة، وطنطا، ثم رئيساً لنيابة الاسكندرية، ثم عمل بمجلس بلدي الإسكندرية حتي أصبح سكرتيراً عاماً له، وتولي بعد ذلك منصب وكيل وزارة الداخلية في العام 1910م، ثم وزيراً للزراعة في العام 1914م، ثم وزيراً للمالية في العام 1921م، إلي أن تولي رئاسة الوزراء لأول مرة في العام 1930م، فجمع فيها بين رئاسة الوزراء، ووزارة الداخلية، والمالية، وكانت البلاد وقتها تعاني الانفلات الأمني، وانتشار المظاهرات، في عهد حكومة"النقراشي باشا" (28 ديسمبر 1948م)، فاختاره الملك"فؤاد" لقوة شخصيته لمواجهة حزب الوفد، وإعادة الاستقرار للبلاد، والتفاوض مع الإنجليز، قام بإنشاء حزب الشعب في عام 1930م، وذلك في محاولةٍ منه لولوج الميدان الجماهيري، إلا أن هذا الحزب لم يحظ بأي رصيد شعبي، وكان يعرف بأنه حزبٌ سلطوي، وبهذا فقد كان له دورٌ ضئيل جداً في الميدان السياسي أثراً وتأثيراً، بعد ذلك جري دمج حزب الشعب مع حزب الاتحاد في العام 1938م تحت اسمٍ جديدٍ هو" حزب الاتحاد الشعبي"، فقام بإلغاء دستور 1923م، ووضع دستور 1930م، والذي وسع فيه من صلاحيات الملك، وأصدر قوانين الرقابة علي الصحف، والمطبوعات، وغلظ من عقوبات جرائم النشر علي الصحفيين، فتكتل حزبي الوفد، والأحرار الدستوريين ضده، وقاطعوا الانتخابات النيابية، وطافوا بالاقاليم، وارتفعت حدة المصادمات مع البوليس، وعرفت مصر في عهده الجريمة السياسية، فقد انتشرت ظاهرة تفجير القنابل في القاهرة، والمحافظات، وكان من أهم هذه التفجيرات، تفجير قنبلة "طما"، والتي استهدفت قطار رئيس الوزراء أثناء توجهه لزيارة مدن الصعيد. طما الطين وردت "طما" في قاموس"محمد رمزي" الجغرافي ضمن قوائم البلدان القديمة، فقد ذكرها"جوتييه" بمعني "الكمال"، وذكرها"أميلينو" في جغرافيته باسم"Poukhis"، وانها واقعة علي النيل، ولها ميناء بين "أسيوط"، و"أخميم"، ويرجع زمن انشائها إلي عهد الدولة الرومانية، ووردت في قوانين"إبن مماتي"، وفي تحفة الارشاد، انها من أعمال أسيوط، وفي دفاتر الروزنامة القديمة وردت باسم"طما الطين" وفي العام 1232ه ذكرت باسم"طما الحائط ، ومنذ العام 1259ه ذكرت "طما" بغير مضاف، وفي العام 1844م أنشئ قسم "طما"، ثم ألغي، ثم أعيد في العام 1932م باسم مركز"طما" مكوناً من 31 قرية، وفصلت عن مركز "طهطا"، حسب ما رود في الوقائع المصرية في العام 1932م، ولم يذكر ان سبب عودتها مركزاً يرجع إلي تفجير قنبلتها بتاريخ 6مايو 1932م، وإلغاء عُمديتها، وإنشاء مركز شرطة بها، بأوامر من "إسماعيل صدقي باشا" رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، لتأديب أهلها. واجب عزاء كان من المقرر أن يغادر"صدقي باشا" القاهرة من محطة السكة الحديد، مستقلاً قطاره المخصوص، في تمام الساعة الثامنة والنصف ليلاً، يوم الخميس الموافق 5 مايو 1932م، متجهاً إلي "جرجا" لحضور مراسم بعض الافتتاحات الرسمية، ونشرت الصحف ترتيبات الزيارة، ولكن حدث تعديل في برنامجها، فقد تحرك القطار الخاص برئيس الوزراء، والوفد المرافق له في تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً أي متأخراً عن موعده ساعتين ونصف الساعة، وكان بصحبة رئيس الوزراء كلاً من"حلمي عيسي باشا" وزير المعارف، و"توفيق دوس باشا" وزير المواصلات، وعدداً كبيراً من أعضاء مجلسىّ البرلمان، والشيوخ، وسكرتاريته الخاصة، ورجال البوليس حراسته، وتحرك القطار إلي أن وصل إلي محطةأسيوط، وعندها نزل منه"توفيق دوس باشا" من أجل تقديم واجب العزاء في وفاة خاله، وتأخر نتيجة ذلك القطار في محطة أسيوط لمدة سبع دقائق، استأنف بعدها القطار رحلته، حتي أوشك علي الدخول إلي محطة "صدفا"، وهي المحطة الأخيرة الواقعة ضمن حدود مديرية أسيوط جنوباً، وبينما كان يسير، إذا بالسائق يري"سيمافور" محطة "صدفا" مقفولاً، وهذا يعني الإنذار بضرورة توقف القطار، وعلي الفور قام السائق بإيقاف القطار، بين المسافة من محطة"صدفا"، ومحطة"طما"، حيث توجد محطة صغيرة تسمي محطة"أولاد إلياس"، وكانت الساعة السادسة صباحاً، والجميع مستغرقاً في النوم، بما فيهم رئيس الوزراء، فاستيقظ النائمون، وقبل ثوان حضر ملاحظ محطة"أولاد إلياس" ليخبر حرس رئيس الوزراء انه تلقي إشارة من عامل البلوك في المحطة تفيد حدوث انفجار شديد علي شريط السكة الحديد قبيل محطة "طما"، نتج عنه قطع شريط السكة الحديد، وجعل استئناف السير بالقطار مستحيلاً. الكيلو 417 في محطة"طما"، وفي تمام الساعة الخامسة والدقيقة الخمسين صباحاً سمع من كان منتظراً لتحية رئيس الوزراء أثناء مروره علي محطة"طما" وهي المحطة الأولي من مديرية "جرجا" شمالاً، صوت انفجار هائل، ودوي كدوي الصاعقة، وارتفاع الدخان في السماء، تبين لهم فيما بعد انه ناتج عن نسف شريط السكة الحديد عند الكيلو 417، وقبل الدخول إلي محطة"طما" بحوالي خمسين متراً، وقد إلتوت القضبان الحديدية، واحترقت الفلنكات، وذلك لمسافة طولها 15 متراً، فأسرع عامل البلوك وأخبر محطة "أولاد إلياس" بالحادث علي الفور، وتم ابلاغ محطة "صدفا"، فتوقف القطار، وتبين من المعاينة المبدئية التي قام بها ضابط نقطة بوليس"طما"، أن الحادث نشأ عن انفجار قنبلة هائلة وضعت تحت قضبان السكة الحديد، وانفجرت، بترتيب خاص في هذا الموعد الذي يتزامن مع مرور القطار الذي به رئيس الوزراء والوفد المرافق له، ونتج عن الحادث ان لقي الخفير المكلف بحراسة الكيلو 417 مصرعه، كما أصيب خفيراً آخر من جراء الحصي الذي أثارته القنبلة، إصابات خطيرة وتوفي فيما بعد، فقد كان من المقرر أن يصل القطار في الساعة السادسة والدقيقة الحادية عشرة، ولو لم يتخلف وزير المواصلات في أسيوط، وتأخر القطار بسبب ذلك لمدة سبع دقائق، لوصل القطار إلي محطة"طما" في الساعة السادسة والدقيقة الرابعة، موعد انفجار القنبلة. بعد الانفجار علي الفور تم ابلاغ الحادث لكل من"محمود فهمي القيسي باشا" وكيل وزارة الداخلية، والأستاذ"بدوي خليفة بك" مدير الأمن العام، في منزليهما، وعندما علم"توفيق دوس باشا" وزير المواصلات بالحادث، ترك واجب العزاء، وسافر علي الفور وبصحبته مدير مديرية أسيوطفي قطار خاص، إلي حيث توقف قطار"إسماعيل صدقي باشا"، في محطة"أولاد إلياس"، واتصل بمدير عام السكة الحديد"محمد شفيق باشا"، والذي أصدر بدوره الأوامر إلي تفتيش أسيوط لإرسال المهندسين، والعمال إلي مكان الحادث، لإصلاح السكة الحديد، وانتهت عملية الاصلاح في تمام الساعة الثامنة والدقيقة 40صباحاً، فتأخرت زيارة رئيس الوزراء عن موعدها المقرر لمدة ساعة وربع الساعة، ثم صدرت الأوامر للخبراء العسكريين من ضباط الجيش المصري، والإنجليز للسفر بالطائرة إلي مكان الحادث لمعاينة الموقع، ومعرفة نوع القنبلة، كما سافر في صباح اليوم التالي"سيد مصطفي بك" الأفوكاتو العمومي للإشراف علي التحقيقات بموقع الحادث. إسماعيل صدقي رجل الساعة فور أن علم الملك"فؤاد" بنبأ قنبلة "طما" حتي أرسل برقية تهنئة لرئيس الوزراء، يهنئه فيها بالنجاة، واستأنف"إسماعيل صدقي باشا" الناجي، ومن معه رحلتهم، وتابعت جريدة الأهرام رحلتهم فوصل القطار يوم الجمعة الموافق 6مايو في تمام الساعة التاسعة والربع صباحاً إلي "طهطا" فقابلت الجماهير"صدقي باشا" في المحطة بالهتاف بحياته وحياة الملك، وولي العهد، وتوجه الجميع إلي منزل الوجيه"محمد رفاعة بك" حيث تناولوا الفطار، وشكره رئيس الوزراء لتبرعه بمكتبته الخاصة، والتي بها خمسة آلاف مجلد لمكتبة الأمير"فاروق" التي أنشأها مجلس محلي "طهطا"، ثم افتتح دار الإسعاف، وانتقل إلي السرادق المقام في شارع الأمير"فاروق" وخطب"صدقي باشا" في الجماهير قائلاً:" حقاً لقد برهنتم الآن كما برهنت الأمة كلها من قبل علي أن هذه الأمة قد أصبحت في صف، وطائفة الإجرام في صف آخر"، ثم توجه بالقطار إلي "المنشأة" فزار عائلة"فواز" في "العسيرات"، وتناول الغداء في دارهم، وبعد ذلك بيومين تمت عملية قبض واسعة علي 35 شخصاً من آل "فواز"، و"رحاب"، بمركز "المنشأة" ومن بينهم الشيخ"أبو المواهب إسماعيل أبو فواز" ابن عضو مجلس الشيوخ، و "خليل"، و "سعد الدين أبو رحاب"، العضوين بمجلس النواب سابقاً، ويرجع سبب القبض إلي تلغراف نشرته جريدة"الوفد" بتوقيع منهم يتناول زيارة "صدقي باشا" لمديرية "جرجا" وبه عبارات ماسة بشخصة، وفي "جرجا" ألقي"توفيق دوس باشا" خطاباً سياسياً تناول فيه خصوم حكومة "صدقي باشا" قائلاً:" ذلك تاريخهم الأسود منذ قبل الحركة الوطنية إلي الآن، وتلك دماء المغفور لهما حسن عبد الرازق باشا، وإسماعيل زهدي بك، لاتزال تلوث أيدي قوم دفعوا الشباب الطائش إلي ما دفعوه، وتخفوا وراءهم يرقبونهم وقد اقتص منهم القانون بحبل الجلاد، بل تلك دماء المغفور له السردار، وقد كان من نتائجها الوخيمة علي مصر، أن اضطر جيشنا الباسل إلي الانسحاب من السودان، ومازلنا نعمل لإصلاح ما أفسده أدعياء الوطنية وهم شر من جني علي الوطن وشعبه...والآن يحاولون أن يغتالوا رجل الساعة، رجل مصر، ونسوا قول الله تعالي «إن ينصركم الله فلا غالب لكم" وبعد ذلك تناول الجميع العشاء في منزل"عبد المجيد المشوادي بك" نائب "جرجا"، وقضي "صدقي باشا" ليلته في الباخرة"محاسن" الراسية علي شاطئ النيل. منع نشر تحقيقات قنبلة طما بتاريخ 9مايو تنشر "جريدة الاهرام" قرار وزارة الداخلية بمنع نشر التحقيقات في حادث قنبلة "طما"، أما جريدة"البلاغ" فنشرت أن الذين يرتكبون جرائم الاغتيال ظناً منهم أنهم يخدمون قضية سياسية، فهم لا يخدمون القضية بل يسيئون إليها، بينما ربطت جريدة "المقطم" بين جريمة قنبلة"طما"، وجريمة تمت يومها في فرنسا، وهي جريمة اغتيال رئيس جمهوريتها مسيو" دوفر"، وعلقت علي ذلك بأن المجتمعات مهما بلغ منها شعورها العارض في بعض الأحيان، لا يمكن أن يسمح بإطلاق يد الفوضي، وما يليه من الوهن، وضياع الأمن والنظام، بينما كشفت جريدة "الشعب"، وهي الجريدة التي تصدر عن حزبها الذي يترأسه"صدقي باشا"، عن موقفها مباشرة من"النحاس باشا" قائلة:"أرأيت كيف يحتضنون الجرائم، ويحبذون المجرمين؟ أرأيت كيف كان موقف النحاس باشا من المجرمين؟ أمثال عبد العزيز الزاهد، وعبده أبو العباس؟ والذين قضوا في السجن؟ أرأيت كيف يتقدم محاموهم خفافاً وثقالاً للدفاع عن المجرمين في حق الشعب؟"أما جريدة"دوكير" التي تصدر باللغة الفرنسية من القاهرة، فقد وضعت الحادث ضمن سلسلة تفجيرات القنابل التي كانت منتشرة منذ بضعة أشهر، ورأت أنها لم تؤثر في الجمهور، أما حادثة قنبلة "طما" والتي قصدت إلي قتل رئيس الوزراء، فقد حرضت علي السخط العام بالإجماع من الجميع، وعللت الصحيفة أنه لا يوجد أحد في "جرجا" يريد موت"صدقي باشا"، وليس من بين القلة من هرعوا من كل حدب وصوب يهنئون رئيس الوزراء بنجاته، فموته ما هو بنافع غير أولئك الذين يمنون النفس في أن يخلفوه وقد هزموا منذ عامين هزيمة صريحة، فلم يجدوا أمامهم إلا حيلة الإجرام. وتعلن "جريدة الأهرام" بتاريخ 8/5/1932م عن وصول رجال النيابة والبوليس السياسي، والمباحث، للتحقيق في حادث انفجار قنبلة"طما"، وتعاونت جميع القوي لمعرفة الجناة، وتتوقف الصحف عن نشر أي أخبار حول الحادث، إلي أن أعلنت النيابة بتاريخ 8يوليو 1932م في جريدة "الأهرام" عن انتهاء التحقيقات في قضية قنبلة"طما". اعتقال نائب صدفا كان أول من تم القبض عليه، وأعلنت عنه الصحف في جريدة "الأهرام"، قبل صدور قرار حظر النشر بتاريخ 8 مايو 1932م، هو"علي أحمد هيكل" المحامي، والنائب السابق في البرلمان عن"صدفا"، وبعد مرور حوالي خمسة وسبعين عاماً يكشف لنا نجله الكابتن" عادل هيكل" (1934م)، حارس مرمي النادي الأهلي الشهير في حديث له بجريدة"المصري اليوم"، بتاريخ 7 يونيو 2006م، عن سبب القبض علي والده في حادث تفجير قنبلة "طما"، حيث وجد كارت يخص مكتبه مع أحد المشتبه فيهم يوجد علي ظهره رسم كروكي لمحطة قطار جرجا وشريط السكك الحديدية، ويعد"علي هيكل" من أعيان بيت "الدرمللي" في قبلي"طما"، وهو متزوج من "ملك فايد صدقي" التركية الشركسية الأصل من "اسطنبول"، وهو أيضاً والد الفنان التشكيلي"عوني هيكل"(1936 2003م)، كما تم القبض علي المتهم الثاني وهو من بيت "الدرمللي" أيضاً وهو"علي محمد عيسي الدرمللي"، وكان سبب القبض عليه أن توصل خبراء المتفجرات، والمعمل الجنائي إلي أن الماسورة الحديد التي وضعت بداخلها القنبلة تحت شريط السكة الحديد كانت من نفس نوع المواسير الموجودة في ماكينة الري التي يمتلكها، كما تم القبض علي المتهم الثالث وهو"محمد أحمد طه أبو غريب"، ويذكر الأديب المؤرخ الأستاذ"أحمد حسين الطماوي" بلدياته انه كان زجالاً عامياً، وكان يمتلك محلاً للخردوات في "طما"، وانه حضر يوماً إلي طابور مدرسة "طما" الثانوية، وقص علي الطلاب قضية قنبلة "طما" زجلاً.
تاريخ جرجا ولاية الصعيد نهديها لكل مهتم ب علم التاريخ ، اللهم انى اعوذ بك من الزيغ و الزلل , اللهم اجعلنى خيرا مما يظنون , و اغفر لىّ ما لا يعلمون , و الله تعالى اعلى و اعلم سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبَحَمْدكَ أشْهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ " و العصر * ان الانسان لفى خسر * الا الذين امنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر " اللهم انا نسألك العفو و العافية فى الدين و الدنيا و الاخرة ، اللهم رضاك و الجنة : ابو موافى قرية بيت داود جرجا
الجمعة، 23 ديسمبر 2016
قنبلة طما مديرية جرجا سنة 1932 م
يعد "إسماعيل صدقي باشا" (1875- 1950م) ، من أقوي رؤساء الوزارة في مصر، ومن أعنف وزراء داخليتها، فاجتمع الناس علي كراهيته، والده"أحمد شكري باشا" من كبار رجال الدولة في عهد "إسماعيل"، و"توفيق"، تعلم بمدرسة الفرير، ثم التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية، وعمل بعد تخرجه كاتباً للنيابة، ثم مساعداً لنيابة إتاي البارود، والمحلة، وطنطا، ثم رئيساً لنيابة الاسكندرية، ثم عمل بمجلس بلدي الإسكندرية حتي أصبح سكرتيراً عاماً له، وتولي بعد ذلك منصب وكيل وزارة الداخلية في العام 1910م، ثم وزيراً للزراعة في العام 1914م، ثم وزيراً للمالية في العام 1921م، إلي أن تولي رئاسة الوزراء لأول مرة في العام 1930م، فجمع فيها بين رئاسة الوزراء، ووزارة الداخلية، والمالية، وكانت البلاد وقتها تعاني الانفلات الأمني، وانتشار المظاهرات، في عهد حكومة"النقراشي باشا" (28 ديسمبر 1948م)، فاختاره الملك"فؤاد" لقوة شخصيته لمواجهة حزب الوفد، وإعادة الاستقرار للبلاد، والتفاوض مع الإنجليز، قام بإنشاء حزب الشعب في عام 1930م، وذلك في محاولةٍ منه لولوج الميدان الجماهيري، إلا أن هذا الحزب لم يحظ بأي رصيد شعبي، وكان يعرف بأنه حزبٌ سلطوي، وبهذا فقد كان له دورٌ ضئيل جداً في الميدان السياسي أثراً وتأثيراً، بعد ذلك جري دمج حزب الشعب مع حزب الاتحاد في العام 1938م تحت اسمٍ جديدٍ هو" حزب الاتحاد الشعبي"، فقام بإلغاء دستور 1923م، ووضع دستور 1930م، والذي وسع فيه من صلاحيات الملك، وأصدر قوانين الرقابة علي الصحف، والمطبوعات، وغلظ من عقوبات جرائم النشر علي الصحفيين، فتكتل حزبي الوفد، والأحرار الدستوريين ضده، وقاطعوا الانتخابات النيابية، وطافوا بالاقاليم، وارتفعت حدة المصادمات مع البوليس، وعرفت مصر في عهده الجريمة السياسية، فقد انتشرت ظاهرة تفجير القنابل في القاهرة، والمحافظات، وكان من أهم هذه التفجيرات، تفجير قنبلة "طما"، والتي استهدفت قطار رئيس الوزراء أثناء توجهه لزيارة مدن الصعيد. طما الطين وردت "طما" في قاموس"محمد رمزي" الجغرافي ضمن قوائم البلدان القديمة، فقد ذكرها"جوتييه" بمعني "الكمال"، وذكرها"أميلينو" في جغرافيته باسم"Poukhis"، وانها واقعة علي النيل، ولها ميناء بين "أسيوط"، و"أخميم"، ويرجع زمن انشائها إلي عهد الدولة الرومانية، ووردت في قوانين"إبن مماتي"، وفي تحفة الارشاد، انها من أعمال أسيوط، وفي دفاتر الروزنامة القديمة وردت باسم"طما الطين" وفي العام 1232ه ذكرت باسم"طما الحائط ، ومنذ العام 1259ه ذكرت "طما" بغير مضاف، وفي العام 1844م أنشئ قسم "طما"، ثم ألغي، ثم أعيد في العام 1932م باسم مركز"طما" مكوناً من 31 قرية، وفصلت عن مركز "طهطا"، حسب ما رود في الوقائع المصرية في العام 1932م، ولم يذكر ان سبب عودتها مركزاً يرجع إلي تفجير قنبلتها بتاريخ 6مايو 1932م، وإلغاء عُمديتها، وإنشاء مركز شرطة بها، بأوامر من "إسماعيل صدقي باشا" رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، لتأديب أهلها. واجب عزاء كان من المقرر أن يغادر"صدقي باشا" القاهرة من محطة السكة الحديد، مستقلاً قطاره المخصوص، في تمام الساعة الثامنة والنصف ليلاً، يوم الخميس الموافق 5 مايو 1932م، متجهاً إلي "جرجا" لحضور مراسم بعض الافتتاحات الرسمية، ونشرت الصحف ترتيبات الزيارة، ولكن حدث تعديل في برنامجها، فقد تحرك القطار الخاص برئيس الوزراء، والوفد المرافق له في تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً أي متأخراً عن موعده ساعتين ونصف الساعة، وكان بصحبة رئيس الوزراء كلاً من"حلمي عيسي باشا" وزير المعارف، و"توفيق دوس باشا" وزير المواصلات، وعدداً كبيراً من أعضاء مجلسىّ البرلمان، والشيوخ، وسكرتاريته الخاصة، ورجال البوليس حراسته، وتحرك القطار إلي أن وصل إلي محطةأسيوط، وعندها نزل منه"توفيق دوس باشا" من أجل تقديم واجب العزاء في وفاة خاله، وتأخر نتيجة ذلك القطار في محطة أسيوط لمدة سبع دقائق، استأنف بعدها القطار رحلته، حتي أوشك علي الدخول إلي محطة "صدفا"، وهي المحطة الأخيرة الواقعة ضمن حدود مديرية أسيوط جنوباً، وبينما كان يسير، إذا بالسائق يري"سيمافور" محطة "صدفا" مقفولاً، وهذا يعني الإنذار بضرورة توقف القطار، وعلي الفور قام السائق بإيقاف القطار، بين المسافة من محطة"صدفا"، ومحطة"طما"، حيث توجد محطة صغيرة تسمي محطة"أولاد إلياس"، وكانت الساعة السادسة صباحاً، والجميع مستغرقاً في النوم، بما فيهم رئيس الوزراء، فاستيقظ النائمون، وقبل ثوان حضر ملاحظ محطة"أولاد إلياس" ليخبر حرس رئيس الوزراء انه تلقي إشارة من عامل البلوك في المحطة تفيد حدوث انفجار شديد علي شريط السكة الحديد قبيل محطة "طما"، نتج عنه قطع شريط السكة الحديد، وجعل استئناف السير بالقطار مستحيلاً. الكيلو 417 في محطة"طما"، وفي تمام الساعة الخامسة والدقيقة الخمسين صباحاً سمع من كان منتظراً لتحية رئيس الوزراء أثناء مروره علي محطة"طما" وهي المحطة الأولي من مديرية "جرجا" شمالاً، صوت انفجار هائل، ودوي كدوي الصاعقة، وارتفاع الدخان في السماء، تبين لهم فيما بعد انه ناتج عن نسف شريط السكة الحديد عند الكيلو 417، وقبل الدخول إلي محطة"طما" بحوالي خمسين متراً، وقد إلتوت القضبان الحديدية، واحترقت الفلنكات، وذلك لمسافة طولها 15 متراً، فأسرع عامل البلوك وأخبر محطة "أولاد إلياس" بالحادث علي الفور، وتم ابلاغ محطة "صدفا"، فتوقف القطار، وتبين من المعاينة المبدئية التي قام بها ضابط نقطة بوليس"طما"، أن الحادث نشأ عن انفجار قنبلة هائلة وضعت تحت قضبان السكة الحديد، وانفجرت، بترتيب خاص في هذا الموعد الذي يتزامن مع مرور القطار الذي به رئيس الوزراء والوفد المرافق له، ونتج عن الحادث ان لقي الخفير المكلف بحراسة الكيلو 417 مصرعه، كما أصيب خفيراً آخر من جراء الحصي الذي أثارته القنبلة، إصابات خطيرة وتوفي فيما بعد، فقد كان من المقرر أن يصل القطار في الساعة السادسة والدقيقة الحادية عشرة، ولو لم يتخلف وزير المواصلات في أسيوط، وتأخر القطار بسبب ذلك لمدة سبع دقائق، لوصل القطار إلي محطة"طما" في الساعة السادسة والدقيقة الرابعة، موعد انفجار القنبلة. بعد الانفجار علي الفور تم ابلاغ الحادث لكل من"محمود فهمي القيسي باشا" وكيل وزارة الداخلية، والأستاذ"بدوي خليفة بك" مدير الأمن العام، في منزليهما، وعندما علم"توفيق دوس باشا" وزير المواصلات بالحادث، ترك واجب العزاء، وسافر علي الفور وبصحبته مدير مديرية أسيوطفي قطار خاص، إلي حيث توقف قطار"إسماعيل صدقي باشا"، في محطة"أولاد إلياس"، واتصل بمدير عام السكة الحديد"محمد شفيق باشا"، والذي أصدر بدوره الأوامر إلي تفتيش أسيوط لإرسال المهندسين، والعمال إلي مكان الحادث، لإصلاح السكة الحديد، وانتهت عملية الاصلاح في تمام الساعة الثامنة والدقيقة 40صباحاً، فتأخرت زيارة رئيس الوزراء عن موعدها المقرر لمدة ساعة وربع الساعة، ثم صدرت الأوامر للخبراء العسكريين من ضباط الجيش المصري، والإنجليز للسفر بالطائرة إلي مكان الحادث لمعاينة الموقع، ومعرفة نوع القنبلة، كما سافر في صباح اليوم التالي"سيد مصطفي بك" الأفوكاتو العمومي للإشراف علي التحقيقات بموقع الحادث. إسماعيل صدقي رجل الساعة فور أن علم الملك"فؤاد" بنبأ قنبلة "طما" حتي أرسل برقية تهنئة لرئيس الوزراء، يهنئه فيها بالنجاة، واستأنف"إسماعيل صدقي باشا" الناجي، ومن معه رحلتهم، وتابعت جريدة الأهرام رحلتهم فوصل القطار يوم الجمعة الموافق 6مايو في تمام الساعة التاسعة والربع صباحاً إلي "طهطا" فقابلت الجماهير"صدقي باشا" في المحطة بالهتاف بحياته وحياة الملك، وولي العهد، وتوجه الجميع إلي منزل الوجيه"محمد رفاعة بك" حيث تناولوا الفطار، وشكره رئيس الوزراء لتبرعه بمكتبته الخاصة، والتي بها خمسة آلاف مجلد لمكتبة الأمير"فاروق" التي أنشأها مجلس محلي "طهطا"، ثم افتتح دار الإسعاف، وانتقل إلي السرادق المقام في شارع الأمير"فاروق" وخطب"صدقي باشا" في الجماهير قائلاً:" حقاً لقد برهنتم الآن كما برهنت الأمة كلها من قبل علي أن هذه الأمة قد أصبحت في صف، وطائفة الإجرام في صف آخر"، ثم توجه بالقطار إلي "المنشأة" فزار عائلة"فواز" في "العسيرات"، وتناول الغداء في دارهم، وبعد ذلك بيومين تمت عملية قبض واسعة علي 35 شخصاً من آل "فواز"، و"رحاب"، بمركز "المنشأة" ومن بينهم الشيخ"أبو المواهب إسماعيل أبو فواز" ابن عضو مجلس الشيوخ، و "خليل"، و "سعد الدين أبو رحاب"، العضوين بمجلس النواب سابقاً، ويرجع سبب القبض إلي تلغراف نشرته جريدة"الوفد" بتوقيع منهم يتناول زيارة "صدقي باشا" لمديرية "جرجا" وبه عبارات ماسة بشخصة، وفي "جرجا" ألقي"توفيق دوس باشا" خطاباً سياسياً تناول فيه خصوم حكومة "صدقي باشا" قائلاً:" ذلك تاريخهم الأسود منذ قبل الحركة الوطنية إلي الآن، وتلك دماء المغفور لهما حسن عبد الرازق باشا، وإسماعيل زهدي بك، لاتزال تلوث أيدي قوم دفعوا الشباب الطائش إلي ما دفعوه، وتخفوا وراءهم يرقبونهم وقد اقتص منهم القانون بحبل الجلاد، بل تلك دماء المغفور له السردار، وقد كان من نتائجها الوخيمة علي مصر، أن اضطر جيشنا الباسل إلي الانسحاب من السودان، ومازلنا نعمل لإصلاح ما أفسده أدعياء الوطنية وهم شر من جني علي الوطن وشعبه...والآن يحاولون أن يغتالوا رجل الساعة، رجل مصر، ونسوا قول الله تعالي «إن ينصركم الله فلا غالب لكم" وبعد ذلك تناول الجميع العشاء في منزل"عبد المجيد المشوادي بك" نائب "جرجا"، وقضي "صدقي باشا" ليلته في الباخرة"محاسن" الراسية علي شاطئ النيل. منع نشر تحقيقات قنبلة طما بتاريخ 9مايو تنشر "جريدة الاهرام" قرار وزارة الداخلية بمنع نشر التحقيقات في حادث قنبلة "طما"، أما جريدة"البلاغ" فنشرت أن الذين يرتكبون جرائم الاغتيال ظناً منهم أنهم يخدمون قضية سياسية، فهم لا يخدمون القضية بل يسيئون إليها، بينما ربطت جريدة "المقطم" بين جريمة قنبلة"طما"، وجريمة تمت يومها في فرنسا، وهي جريمة اغتيال رئيس جمهوريتها مسيو" دوفر"، وعلقت علي ذلك بأن المجتمعات مهما بلغ منها شعورها العارض في بعض الأحيان، لا يمكن أن يسمح بإطلاق يد الفوضي، وما يليه من الوهن، وضياع الأمن والنظام، بينما كشفت جريدة "الشعب"، وهي الجريدة التي تصدر عن حزبها الذي يترأسه"صدقي باشا"، عن موقفها مباشرة من"النحاس باشا" قائلة:"أرأيت كيف يحتضنون الجرائم، ويحبذون المجرمين؟ أرأيت كيف كان موقف النحاس باشا من المجرمين؟ أمثال عبد العزيز الزاهد، وعبده أبو العباس؟ والذين قضوا في السجن؟ أرأيت كيف يتقدم محاموهم خفافاً وثقالاً للدفاع عن المجرمين في حق الشعب؟"أما جريدة"دوكير" التي تصدر باللغة الفرنسية من القاهرة، فقد وضعت الحادث ضمن سلسلة تفجيرات القنابل التي كانت منتشرة منذ بضعة أشهر، ورأت أنها لم تؤثر في الجمهور، أما حادثة قنبلة "طما" والتي قصدت إلي قتل رئيس الوزراء، فقد حرضت علي السخط العام بالإجماع من الجميع، وعللت الصحيفة أنه لا يوجد أحد في "جرجا" يريد موت"صدقي باشا"، وليس من بين القلة من هرعوا من كل حدب وصوب يهنئون رئيس الوزراء بنجاته، فموته ما هو بنافع غير أولئك الذين يمنون النفس في أن يخلفوه وقد هزموا منذ عامين هزيمة صريحة، فلم يجدوا أمامهم إلا حيلة الإجرام. وتعلن "جريدة الأهرام" بتاريخ 8/5/1932م عن وصول رجال النيابة والبوليس السياسي، والمباحث، للتحقيق في حادث انفجار قنبلة"طما"، وتعاونت جميع القوي لمعرفة الجناة، وتتوقف الصحف عن نشر أي أخبار حول الحادث، إلي أن أعلنت النيابة بتاريخ 8يوليو 1932م في جريدة "الأهرام" عن انتهاء التحقيقات في قضية قنبلة"طما". اعتقال نائب صدفا كان أول من تم القبض عليه، وأعلنت عنه الصحف في جريدة "الأهرام"، قبل صدور قرار حظر النشر بتاريخ 8 مايو 1932م، هو"علي أحمد هيكل" المحامي، والنائب السابق في البرلمان عن"صدفا"، وبعد مرور حوالي خمسة وسبعين عاماً يكشف لنا نجله الكابتن" عادل هيكل" (1934م)، حارس مرمي النادي الأهلي الشهير في حديث له بجريدة"المصري اليوم"، بتاريخ 7 يونيو 2006م، عن سبب القبض علي والده في حادث تفجير قنبلة "طما"، حيث وجد كارت يخص مكتبه مع أحد المشتبه فيهم يوجد علي ظهره رسم كروكي لمحطة قطار جرجا وشريط السكك الحديدية، ويعد"علي هيكل" من أعيان بيت "الدرمللي" في قبلي"طما"، وهو متزوج من "ملك فايد صدقي" التركية الشركسية الأصل من "اسطنبول"، وهو أيضاً والد الفنان التشكيلي"عوني هيكل"(1936 2003م)، كما تم القبض علي المتهم الثاني وهو من بيت "الدرمللي" أيضاً وهو"علي محمد عيسي الدرمللي"، وكان سبب القبض عليه أن توصل خبراء المتفجرات، والمعمل الجنائي إلي أن الماسورة الحديد التي وضعت بداخلها القنبلة تحت شريط السكة الحديد كانت من نفس نوع المواسير الموجودة في ماكينة الري التي يمتلكها، كما تم القبض علي المتهم الثالث وهو"محمد أحمد طه أبو غريب"، ويذكر الأديب المؤرخ الأستاذ"أحمد حسين الطماوي" بلدياته انه كان زجالاً عامياً، وكان يمتلك محلاً للخردوات في "طما"، وانه حضر يوماً إلي طابور مدرسة "طما" الثانوية، وقص علي الطلاب قضية قنبلة "طما" زجلاً.