كان عدد العربان او البدو المصريين في عصر الحملة الفرنسية نحو مائة الف، تتالف منهم ستون قبيلة، وعدد المقاتلة منهم من 18 إلى 20 ألفا من الفرسان، ولم يتغير هذا الاحصاء كثيرا في عصر محمد علي. وكانوا الى اوائل القرن التاسع عشر لم يالفوا حياة الحضر، فكان تنقلهم في صحراء يجعلهم في حرب مستمرة مع الفلاحين القائمة على الزراعة، وانصرف كثيرمنهم الى قطع الطريق والاعتداء على القرى الآمنة، وكلامنا ينصرف الى غالبية العربان فان بعض القبائل البدوية كانت ولم تزل متصفة بكريم الخصال، تكرم الضيف وتأوى الجار وتنصر الضعيف وتحمي الذمار.
فكر محمد علي مليا في علاج حالة العربان، وراى من الحكمة بادئ الامر ان يهادن زعماء القبائل، ويسلك حيالهم مسلك المحاسنة، فعقد الاتفاقات معهم، ولكن القبائل نقضت هذه الاتفاقات، فادرك محمد علي أن لا مناص من اخذهم بالقوة، فجرد عليهم كتائب الفرسان فاخذت تناوشهم وتسد عليهم السبل الى ان اذعنوا وثابوا الى الطاعة وطلبوا الصلح فرضى ان يصالحهم على ان يقيم زعماؤهم بالقاهرة ليكووا رهائن عنده يضمن بهم طاعتهم وولاء قبائلهم واجرى عليهم الرواتب والارزاق فكان لهذه الوسيلة تاثير كبير في اخلاد القبائل الى الهدوء والسكينة، ولجات الحكومة الى وسيل حكيمة تصرف بها البدو المتشردين في اطراف البلاد عن عيشة البداوة وتدخلم في حظيرة العمران، فاقطعهم اراضي شاسعة اعفتها من الضرائب ينتفعون بها ويستغلونها.
وقد كانت هذه الوسيلة من بواعث تحضير القبائل البدوية، وادماجها في جسم الهيئة الاجتماعية، ولما اجتذب محمد علي رؤساء العشائر من العربان حبب اليهم ان ينتظموا في سلك الجيش النظامي الذي اسسه، وعرض عليهم ان تدفع الحكومة لمن ينتظم من العربان في سلك الجيش اجورهم على شرط ان ياتي كل منهم بفرسه وبندقيته، فلبوا الدعوة واستفاد الجيش المصري منهم فوائد جمة، واشتركوا في حروب السودان والحجاز وسورية والاناضول، واتخذ منهم ابراهيم باشا حرسه الخاص.
ولقد كان ادماج القبائل الدبوية في جسم الهيئة الاجتماعية من اهم اعمال العمران التي قام بها محمد علي.